شكلت قضية المرآة والإعلام خلال العقود القليلة الماضية واحدة من أبرز القضايا التي شغلت الباحثين والساسة والمدافعين عن حقوق النساء في الوطن العربي في ضوء ما أفرزته الدراسات المتعاقبة من نتائج كشفت عن الأبعاد السلبية النفسية والاجتماعية والسياسية والثقافية لصورة المرآة التي تتداو لها وسائل الإعلام المطبوعة والمسموعة والمرئية، وفي الفترة الأخيرة التفاعلية. ورغم أن هذه القضية هي في حد ذاتها قضية عالمية مثلت هاجسا كبيرا للكثير من المجتمعات حول العالم، إلا أن تجلياتها في المنطقة العربية قد اتخذت أبعادا خطيرة في ضوء ما تقوم به وسائل الإعلام الوطنية والإقليمية والعالمية في هذا الجزء من العالم من تشويه لصورة المرآة، وإبرازها بشكل سلبي على صفحات الجرائد والمجلات وشاشات التلفزة، وحديثا على صفحات الشبكة الدولية للمعلومات (الإنترنت). وتزامن ذلك مع ما تفرضه قضايا العمل حيث أن عمل المرآة اليوم أصبح وبحكم التطورات المعيشية و الاقتصادية ضرورة ملحة للمساهمة في صناعة حياة كريمة لمئات الملايين من الأسر حول العالم مع حقيقة تفرض علينا التفكير بشكل جاد في كيفية إيجاد الأطر و الصيغ القانونية و المعايير الإنسانية و الضوابط التشريعية التي تكفل للمرآة العاملة حياة كريمة وبيئة عمل بعيدة عن الانتهاكات والتمييز الذي يمكن أن تتعرض له.
وتؤكد الدراسات وجود فجوة حقيقية بين صانعي السياسات الإعلامية وبحاث ودارسي المجال النسوى فى المجتمع العربي ، حيث ينطلق الاهتمام بالمرآة من الأيمان بان بكل فرد دور في المجتمع رجلا كان أو امرأة وأن هذا الدور يجب الاعتراف به وتقديره وتعزيزه ، ومن الضروري إعطاء كل فرد الفرصة للمشاركة في كل المجالات والميادين ، مما يحتاج إلي تعزيز القدرات الشخصية وتنميتها ، وتوفير الفرص والسبل للأشكال المختلفة للمشاركة من خلال فلسفة تعتمد في تحقيق التنمية علي عدم عزل المرآة في برامج تنموية خاصة بها رغم العادات والتقاليد التي تشكل عوامل تؤثر في وضع المرآة ، وتحدد دورها .
ومما يثير الاستهجان والعجب أن هذه الاتجاهات الإعلامية تأتي في وقت حققت فيه المرآة العربية الكثير من الإنجازات المبهرة التي جعلت منها إنسانا قياديا في مجتمعها، فأصبحت المرآة مهندسة ومعلمة وطبيبة وصاحبة أعمال وخبيرة تكنولوجيا معلومات، وغير ذلك من الوظائف التي كانت لردح من الزمن حكرا على الرجال. فهذه التحولات المهمة في الدور الاجتماعي للمرآة لم تجد، وللأسف الشديد، صدى مناسبا على صفحات الجرائد والمجلات، وعلى شاشات التلفزة، وأثير الإذاعات، وحتى في الفضاء الافتراضي لشبكة العنكبوت الدولية. فالدراسات التي أنجزت حول الموضوع، والتي توجت بالتقرير (2006) الذي أنجزه مركز المرآة العربية للتدريب والبحوث (كوثر) بالتعاون مع صندوق الأمم المتحدة الإنمائي للمرآة (اليونيفيم) في إطار "برنامج النوع الاجتماعي والإعلام"، يشير بشكل قاطع إلى أن الإعلام بوسائله المختلفة قد حقق تقدما لا بأس به في مجال تجويد صورة المرآة، ولكنه ظل في سواده الأعظم محرقة للنساء ولإنجازات المرآة، مع استمرار التسليع والتشييء، والحط من قدر النساء، وتأطير دورهن الاجتماعي في قوالب تقليدية، وعدم المساهمة في تمكينهن من احتلال الحيز المناسب لهن في الوعي المجتمعي، سواء على مستوى الفرد أو الجماعة.
وتسعي الورقة المقدمة إلي رصد الصورة السلبية للمرآة العربية في وسائل الإعلام وصولا إلي صياغة استراتيجية حول دور الإعلام في تعزيز مكانة المرآة في المجتمع نحو مزيد من الإجراءات للنهوض بعمل المرآة وتحقيق المساواة في العمل .