عندما تقدّمت الى منصّة الحرق لم يكنِ الله بالنسبة لها سوى صفاءٌ تام لنفسها التوّاقة الى الحرية سواء في هذه الدنيا أو ما بعدها ، أستعادت ذكرياتها في تلك اللحظة الحاسمة ، هل ستعترف بذنوبها لتنجو من الحرق أم تنكرها لكي تُحرقها ، تلك الذنوب التي كانت تعني الحرية لها ولشعبها من المستبدين والمستعمرين وتعني لهم مقاومة طغيانهم وهدم أساطيرهم التي إبتدعوها حول الربّ الحكيم القدير.
خلال الثمانية عشر ربيعاً من عمرها لم تكن تسمع سوى صوتاً واحداً يقض مضجعها كل ليلة:
إنهضي فلم تُخلقي للنوم المميت للروح يا جان دارك، إنهضي فقد طال الأمد بالظلم ولم يعد هناك متسّعٌ للفرح في تلك الأرواح الذابلة من الجوع والقهر والأستعباد.
وهل يختار الله غير المخلصين ؟
ولكن كيف ستحقق أمنية الربّ والمظلومين ؟ ومن سيساعدها في ذلك ؟
جابت كل قرية وكل مدينة تتوق لرؤية الشّمس تُشرق عاليةً في كبد السّماء لتزيح كل ظلامٍ على هذه الأرض الطيبة .
إستقبلتها الأزهار المتفتحة صباحاً فرحة بمقدمها وسارت خلفها حتى الوحوش في البراري ، لم تكن بضاعتها و أسلحتها سوى الكلمات الصادقة وقلبٌ قد أتسع لكل الآلام والأحزان.
كادت أن تنجح في ثورتها بعد أن تسّلح خلفها الفلاحين بأسلحة الزراعة والحصاد.
نجحت في أيصال الملك العادل إلى الحكم لكي يشيع الحب والأستقرار والأزدهار والحرية لشعبها ، إلا أنّ قوى المستعمرين وأنتهازية الأرستقراطيين أطاحت بثورتها وملكها العادل.
هاي هي الأن تقف صلبة واثقة من مسيرة حياة خاضتها بشرف ووعي وهدف أسمى،
هي لاتتجرع مرارة الهزيمة الأن بل حلاوة إنتصار الروح وبقاء إسمها خالداً بين الأحرار، فلتمت شهيدة إذن ولتكن بعدها نجماً يَستدلّ به الأحرار والشرفاء في عالمٍ قد مليء كذبا ونفاقا.