- -->
موقع مليون شاعر وشاعره مصرى وعربى موقع مليون شاعر وشاعره مصرى وعربى
الرئيسيه

آخر الأخبار

الرئيسيه
الرئيسيه
جاري التحميل ...
الرئيسيه

كتاب " الحوار الغائب "


- 13 - : مملكة داود وسليمان
كتاب " الحوار الغائب "
لمولانا الإمام العالم بالله المجدد الشيخ سيدي عبد الغني العمري الحسني حفظه الله.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
عاش داود عليه السلام مخلصا لملِكه شاول إلى أن مات، وبعد ذلك ذهب إلى "حبرون" هو ومن معه؛ وهناك مسحه بيت يهوذا ملكا عليهم. ولكنّ بيوتا من إسرائيل ملّكت عليها "إيشبوشث" بن شاول؛ فقامت الحرب بين الفريقين، إلى أن بايع "أبْنَيْر" داود وجمع عليه بني إسرائيل، قبل أن يُقتل ويُقتل بعده ابن شاول. وبعد بضع سنوات من إقامته بحبرون، نقل داود عاصمة مملكته إلى أورشليم (القدس). وأمَره الله ببناء بيت له قارّ، لأول مرة في تاريخ الشعب الإسرائيلي؛ لكنه لن يتمكن من ذلك بسبب انشغاله بالحروب. ووصل نفوذه من الفرات إلى دمشق...
وإن بني إسرائيل لا يعتبرون داود نبيّا (خليفة)، وإنما يعتبرونه ملكا فحسب؛ ويجعلون النبوة في زمانه لشخص اسمه "ناثان". ولا ندري أكان ذلك خطأ من الرواة والكَتبة، أم إن الأمر متعمّد، لسبب من الأسباب. ولقد آتى الله داود الزبور (المزامير)، وحيا من عنده؛ يقول سبحانه: {وَلَقَدْ فَضَّلْنَا بَعْضَ النَّبِيِّينَ عَلَى بَعْضٍ وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُورًا} [الإسراء: 55]. غير أن سِفر المزامير (Psalms: ومعناها الترانيم) المضَمّن في الكتاب المقدس، ليس كله لداود؛ وإنما نُسب إليه من باب التغليب، كما يقول علماء أهل الكتاب. ويذكر الله نعمته على داود عليه السلام، فيقول سبحانه: {وَسَخَّرْنَا مَعَ دَاوُودَ الْجِبَالَ يُسَبِّحْنَ وَالطَّيْرَ وَكُنَّا فَاعِلِينَ . وَعَلَّمْنَاهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَكُمْ لِتُحْصِنَكُمْ مِنْ بَأْسِكُمْ فَهَلْ أَنْتُمْ شَاكِرُونَ} [الأنبياء: 79، 80]؛ فكان داود أول من اتخذ الدروع المحلّقة في القتال، بعد أن كانت صفائح. وأما تأويب (ترجيع) الجبال والطير معه عند إنشاده فكان آية خاصة به عليه السلام. وهذا يعني أنه كان حسن الصوت، بالإضافة إلى أنه كان يعزف العود (هكذا جاء في التوراة). لكن الحقيقة هي أن آلته كانت أقرب إلى آلة القانون المعروفة اليوم، على أنها كانت أكثر بدائية. وعلى كل حال، فإن داود فتح بابا لم يُفتح قبله في الدين؛ وهو ما يُسمّى لدى الصوفية "السماع".
ولا بأس هنا من أن نبيّن بعض ما يتعلق بالسماع، لتظهر مكانة داود عليه السلام بين الأنبياء جميعا، وهو مَن اختصّه الله بهذه الخصيصة: أصل السماع الموسيقى المجردة، التي تكون عن الآلات وحدها، أو تكون عن الحنجرة البشرية باستعمال الأوتار الصوتية من غير قطع للصوت في محابس الحروف الفمية (يكون ذلك باستعمال الهمزة الممدودة وحدها). والموسيقى بالنظر إلى الكلام، هي في مقابل الهيولى عند الفلاسفة، أو في مقابل النَّفس الرحماني عند الإلهيين. وهذا يعني أنها (الموسيقى) أقرب إلى الذات من جهة الصدور. والقاعدة هي أن كل ما كان أقرب إلى الذات من حيث الدلالة والمعنى، فإنه يكون أشرف. وبهذا يكون التعبير بالموسيقى أبلغ من الكلمات من حيث قرب المعنى. ولهذا، كان من كمال الكلام، التغني؛ لينضاف معنى اللحن إلى معنى اللغة. ولو لم يكن هذا معتبرا عند الله، ما كان داود عليه السلام يتغنى بالمزامير تمجيدا لله وثناء عليه سبحانه. وهذا، كان الأصل في استعمالات الموسيقى في المعابد الكتابية وغير الكتابية بعد ذلك. بل إن هذا هو سبب نطق النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم بقوله: «لَيْسَ مِنَّا مَنْ لَمْ يَتَغَنَّ بِالْقُرْآنِ!»[1]؛ والمعنى هو أن من لم يَحُلَّ القرآن لديه، محل كل غناء ملذوذ، فليس منا؛ وهذا يتضمّن التنغيم اللائق بكلام الله. وجاء في حديث آخر: «زَيِّنُوا الْقُرْآنَ بِأَصْوَاتِكُمْ!»[2]. وقد استشكل فقهاء الإسلام الحديثيْن من وجوه:
1. عندما نزّهوا كلام الله عن حاجته إلى التزيين بأصوات المخلوقين. وهذا تحكّم عقلي فاسد، يخرجون به عن هدي السنة النبوية، إلى ما يشرعونه لأنفسهم بهواهم. ومسألة التنزيه هذه، هي من أكبر ما اعترض العقل الفقهي الإسلامي، وانحرف به عن الجادة. ولعلنا سنعود إليها بمستويات مختلفة في التناول، ضمن هذا الكتاب بإذن الله، لتضح أكثر فأكثر.
2. إن العرب لم يكونوا يعرفون قبل الإسلام من الغناء، إلا ما كان في مجالس السُّكر والفاحشة على عادة الوثنيين؛ ولذلك كان لا بد من فطمهم عنه بالتشريع من جهة، حتى لا يعودوا إليه بعد طروء الغفلة؛ ومن جهة أخرى، فإن الفقهاء من مرتبة الإسلام، لم تحصل لهم مُكنة إدراك المعنى اللحني؛ فقاسوا على أنفسهم وأفتوا بحرمة الغناء في الغالب، ما لم يكن مقيّدا بألفاظ تدخل ضمن الذكر؛ وهذا أيضا على خلاف فيما بينهم. ولقد بقي هذا النقص ملازما لعموم المسلمين، عبر القرون، وإلى الآن.
3. أما الموسيقى الآلية، فهي محرمة عند أغلب الفقهاء؛ لارتباطها بمجالس اللهو كما ذكرنا، ولغلبة المنطق الفقهي على التديّن عموما. ونحن كنا دائما نقول: إن أئمة الفقه، لم يُجاوزوا المرتبة الأولى من الدين إلا فيما ندر. ومن حصر الدين في مرتبة واحدة من جهة الإدراك (العلم)، فإنه قد حجر واسعا، كما لا يخفى.
4. رغم أن كلام الله كامل في نفسه، فإن تزيينه بالتنغيم إكرام له من غير شك، يزيد من تقرب العبد إلى ربه. وأما فيما عدا القرآن، فالمجال أوسع وأرحب.
وحتى لا يختلط الأمر على الناظرين في كلامنا، فإننا نؤكد على أن من الموسيقى ومن الغناء ما هو حرام بالقطع. وذلك لأن الشيطان يُحب أن يُضاهي طريق الله، فيجعل لطريقه البعيد، نظير ما هو موجود في الدين من غير استثناء. ولما رأى أن المؤمنين يرنّمون ويجوّدون، جعل من الموسيقى المجردة ما هو داخل في دعوته، وجعل من الغناء ما هو في مقابل الصلاة لديه. ولقد التبس أمر التفريق بين ما هو رباني وما هو شيطاني، على عوام الناس، عندما حكموا بما تعطي الصورة في الظاهر؛ لذلك فهم إما يُبيحون كل موسيقى وكل غناء، أو هم يُحرّمون كل موسيقى وكل غناء. وهذا مجاوزة منهم لحد الاعتدال، حيث ينبغي أن تُراعى الغايات.
ولو أن في الغناء والعزف، ما هو شبهة في الأصل، ما كان خليفة لله، من كبار الخلفاء، يُقْدم عليه ويُداوم. ولقد تقدم لنا ذكر تسميع داود بين يدي "شاول"، فليُعتبر.
ولقد تطاول الكَتبة من بني إسرائيل على داود، كما تطاولوا من قبل على هارون عليه السلام. وهذه المرة نسبوا إلى داود عليه السلام أخذ "بَثْشَبَع بنت أَلِيعام" من زوجها "أُورِيّا الحِثِّيّ" الذي كان من جملة جنوده، قبل وبعد بعثه قصداً إلى الحرب وتوصية رؤسائه بأن لا يعود حيّا. وهذا الفعل، لا تصح نسبته البتّة إلى خليفة الله، الذي يكون محالا جريان الظلم عليه. وكيف بعدُ، وهذه الفعلة التي يتنزه عنها عوام المؤمنين، هي من أكبر الظلم وأشده!... ثم كيف بعد ذلك، يُنسب سليمان عليه السلام، وهو الخليفة بن الخليفة بالبنوة إلى هذه المرأة!... ولن نورد هنا كلام التوراة -زعما- وهو من أشنع ما يمكن أن يُنسب إلى كلام البشر، فضلا عن كلام الله العليم الحكيم؛ ولكن سنردّ بما جاء في القرآن في ذلك من عند الله. وإن الله ما دعا عباده إلى خُلق، إلا وكان متخلّقا به سبحانه من قبل أن يخلقهم؛ وعلى رأس الأخلاق الحياء. ولقد ورد في القرآن قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلًا مَا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا} [البقرة: 26]. وهذا يعني من باب مطابقة المفهوم، أن الله يستحيي في غير ذلك. بل لقد ورد في الحديث القدسي، قوله صلى الله عليه وآله وسلم حكاية عن ربه عز وجل: «يَقُولُ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: إِنِّي لأَسْتَحِي مِنْ عَبْدِي وَأَمَتِي يَشِيبَانِ فِي الإِسْلامِ، فَتَشِيبُ لِحْيَةُ عَبْدِي وَرَأْسُ أَمَتِي فِي الإِسْلامِ، أَنْ أُعَذِّبَهُمَا بَعْدَ ذَلِكَ.»[3]. فكيف بعد هذا، يريد منا أهل الكتاب أن نصدّق ما ورد في كتبهم، من مثل ما ذُكر!... يقول الله تعالى عن داود عليه السلام: {وَشَدَدْنَا مُلْكَهُ وَآتَيْنَاهُ الْحِكْمَةَ وَفَصْلَ الْخِطَابِ} [ص: 20]. يعني سبحانه، أنه آتاه من الحكمة وإدراك المعاني، ما يكون مقويا لملكه ومرسّخا له؛ لأن الغبيّ والكليل الأهوج، لا يدوم ملكه في الغالب. ولقد كان داود يتولى القضاء بنفسه في الرعية، وكانت الرعية شديدة التأثر بحكمته عليه السلام في استنباط الأحكام، وفي استخراج الحقيقة من المتخاصمين؛ ويعدون هذا، من علامة التأييد الرباني للملك. ثم يفصّل الله في هذه المسألة بعينها فيقول سبحانه: {وَهَلْ أَتَاكَ نَبَأُ الْخَصْمِ إِذْ تَسَوَّرُوا الْمِحْرَابَ} [ص: 21]؛ أي دخلا عليه من غير باب المجلس، على هيئة من يريد الاختصام لديه؛ فخاف لذلك وانزعج. فهدّآ من روعه كما يحكي الله بعد ذلك: {إِذْ دَخَلُوا عَلَى دَاوُودَ فَفَزِعَ مِنْهُمْ قَالُوا لَا تَخَفْ خَصْمَانِ بَغَى بَعْضُنَا عَلَى بَعْضٍ فَاحْكُمْ بَيْنَنَا بِالْحَقِّ وَلَا تُشْطِطْ وَاهْدِنَا إِلَى سَوَاءِ الصِّرَاطِ} [ص: 22]. وهذان كانا ملَكيْن بعثهما الله إلى داود ليدرّباه على شؤون القضاء عمليّا عن طريق الامتحان، كما يحدث في زماننا لأهل المهن كلها. ويقول الله على لسان أحد الخصمين: {إِنَّ هَذَا أَخِي لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً وَلِيَ نَعْجَةٌ وَاحِدَةٌ فَقَالَ أَكْفِلْنِيهَا وَعَزَّنِي فِي الْخِطَابِ} [ص: 23]؛ أي كان أعز مني، بحيث لا أتمكّن من مخالفته. فسارع داود عليه السلام بالحكم، من دون أن يسأل الآخر عن حقيقة مقولة صاحبه، قائلا: {لَقَدْ ظَلَمَكَ بِسُؤَالِ نَعْجَتِكَ إِلَى نِعَاجِهِ وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ الْخُلَطَاءِ لَيَبْغِي بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَقَلِيلٌ مَا هُمْ} [ص: 24]؛ وهذا يدل على إنكاره -عليه السلام- لأقل الظلم، وعلى تنزّهه عنه، إلى الحد الذي سها معه عن سماع الخصم المقابل. وهذا لم يكن حكما نهائيا منه، وإنما كان تقريرا لقاعدة كبرى؛ بعدها يُمكنه الدخول في تفاصيل المسألة، وقد كان في الوقت متّسع. ومما يؤيّد كلامنا عن نزاهة داود عليه السلام عما نسبته إليه يهود، قوله: {إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَقَلِيلٌ مَا هُمْ}؛ وهذا يعني أن الأتقياء من المؤمنين، لا يقعون في ضم مال شركائهم إليهم. وإن كان هذا حال المؤمنين، فما القول في خليفة الله في أرضه كلها؟!... ولقد انساق بعض مفسري القرآن من المسلمين وراء أقوال وهب بن منبه، التابعيّ الذي قرأ الكتب السابقة، فوافقوا أقوال بني إسرائيل على بُطلانها. وإن الوقوع في عرض الأنبياء عليهم السلام (أو ورثتهم)، لمن صدّق منقولات كتب التفسير، لهو من الكبائر الموجبة للقطيعة عن الله... ثم يقول الله تعالى: {وَظَنَّ دَاوُودُ أَنَّمَا فَتَنَّاهُ فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ رَاكِعًا وَأَنَابَ} [ص: 24]؛ والفتنة اللائقة بداود عليه السلام، هي ما ذكرناه من سهوه؛ لا الفتنة التي يقع فيها عوام الناس. والمراتب والمقامات حاكمة في مثل هذه الأمور، فلا ينبغي الوقوع في الجهل بعدم اعتبارها. واستغفار الأنبياء عليهم السلام، يكون من أصغر الصغائر، التي لا يشعر بها غيرهم؛ لكنهم من تعظيمهم لربهم، يرونها في أعينهم الطاهرة كالكبائر. ثم يقول الله تعالى: {فَغَفَرْنَا لَهُ ذَلِكَ وَإِنَّ لَهُ عِنْدَنَا لَزُلْفَى وَحُسْنَ مَآبٍ} [ص: 25]؛ أي فغفرنا له ما فهمه عن ربه متأخرا، وإن مرتبته عند ربه قبل الكلام وبعده هي الزلفى وحسن المآب؛ حتى لا يظن الأجانب عن المقام، أنه قد سقط من عين ربه، وحاشاه!... والدليل على أن المسألة كانت متعلقة بالقضاء، هو قول الله تعالى بعد ذلك: {يَادَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ} [ص: 26]. والهوى الذي ينسبه الله لأصفيائه، ليس هو الهوى الذي في علم الناس؛ وإنما هو من دقائق العلم والأحوال. فلا يغتر أحد بظاهر اللفظ، ويظنّ أنه قد أحاط علما بما بين الله وأنبيائه من كلام. وهذا يُشبه عتابه تعالى لأخص أنبيائه صلى الله عليه وآله وسلم في القرآن، والذي يأخذه الجاهلون على ظاهره. ولو استطردنا في هذا العلم، لسمع الناس العجب؛ ولكن الأهلية تغيب في الغالب عند المتلقّين. لذلك يكفينا هنا ما أشرنا إليه من مبادئه، والله تعالى الموفِّق وحده لعباده.
يقول الله تعالى عن داود: {وَاذْكُرْ عَبْدَنَا دَاوُودَ ذَا الْأَيْدِ إِنَّهُ أَوَّابٌ} [ص: 17]؛ فنسب إليه سبحانه اليد بصيغة الجمع، لا بصيغة التثنية كما في العرف؛ ليدل سبحانه على جميع معاني اليد، من تصرف غيبي ومن قوة بطش ومن كرم وفضل. ولهذا أمره سبحانه وآله أن يعبدوه شكرا، فقال عز من قائل: {اعْمَلُوا آلَ دَاوُودَ شُكْرًا وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ} [سبأ: 13]. والعمل شكرا، هو من خصيصة من نال جميع الرغائب، إلى الحد الذي لا يكون له معه مطمع في نيل شيء، إلا من جهة الزيادة فحسب؛ وهذا لا يكون إلا لمن أسبغ الله عليه نعمه ظاهرا وباطنا، دنيا وآخرة. وهو عليه السلام في هذا، يُشبه نبيّنا صلى الله عليه وآله وسلم، عندما أمره الله تعالى بقوله: {وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا} [طه: 114]؛ وهذا لأنه صلى الله عليه وآله وسلم قد انتهى إليه العلم وجَمَعه كلّه؛ فلم يبق له إلا الاستزادة منه لا غير. وهذا المعنى مما يغيب عن علماء المسلمين، فيقيسونه صلى الله عليه وآله وسلم على أنفسهم، والعياذ بالله. ولو علموا ما يقعون فيه من سوء الأدب مع الله في ذلك، لتمنوا لو أنهم لم يُخلقوا. ونحن إنما نقول هذا، لتنبيه إخواننا إلى ما ينفعهم عند ربّهم، وإن كان يبدو غريبا لأول وهلة في نظرهم.
وبعد موت داود عليه السلام، ورثه ابنه سليمان عليه السلام، بعد تنحية من كان طامعا في الملك من إخوته. يقول الله تعالى: {وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ وَقَالَ يَاأَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنَا مَنْطِقَ الطَّيْرِ وَأُوتِينَا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْفَضْلُ الْمُبِينُ} [النمل: 16]. ومعنى أوتينا من كل شيء، هو الخلافة الإلهية؛ لأنه لا شيء يبقى خارجها، بسبب إحاطتها الوجودية والحُكمية. وما علم سليمان بحقيقة الخلافة إلا بعد موت أبيه وميراثه لها؛ وهو ما يُسمّى الذوق عند أهله. ثم يقول الله تعالى: {وَحُشِرَ لِسُلَيْمَانَ جُنُودُهُ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ وَالطَّيْرِ فَهُمْ يُوزَعُونَ} [النمل: 17]؛ وهذا لا على سبيل الحصر؛ لأن الخلافة كل ما هو موجود، هو من جندها من جهة غيبه، وإن لم يكن له علم بذلك من جهة شهادته. والخطاب هنا، من باب التخصيص الذي يفيد العموم؛ لعدم اتساع الإحصاء للمقصودين به. وهو باب من العلم، يعلم منه علماء الظاهر شطره اليسير فقط. ثم يحكي الله قصة النملة مع قومها في قوله تعالى: {حَتَّى إِذَا أَتَوْا عَلَى وَادِ النَّمْلِ قَالَتْ نَمْلَةٌ يَاأَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لَا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ . فَتَبَسَّمَ ضَاحِكًا مِنْ قَوْلِهَا وَقَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ} [النمل: 18، 19]. وهذا يؤكد ما ذكرناه عن الخلافة، وعن قيام صاحبها بالاسم "الله" في المملكة الإلهية؛ فهو يسمع بسمع الله وينظر ببصر الله. وذِكر النمل، إنما هو أيضا من قبيل الخاص الذي يراد به العموم؛ وإلا فإن مسموعات الخليفة ومُبصَراته، لا تدخل في العد. والفرق بين سليمان وداود في ذوقهما للخلافة، هو أن الأب لم يظهر من غيبه على شهادته، كالذي ظهر على الابن. وهذا من سؤال سليمان الاستعدادي بقوله عليه السلام: {قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكًا لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ} [ص: 35]. فعلمنا بهذا، أن سليمان كان ظاهرا بملك محمد صلى الله عليه وآله وسلم؛ ليكون دالا على مرتبته من جهة الظهور بمراسيم المـُلك، كما كان عيسى دالا على مرتبته من جهة باطن المـُلك وحقيقته. وأما في خصوص الأمة المحمدية، فإن دلالة الباطن تكون لختم الولاية ابن العربي، ودلالة الظاهر تكون للمهدي ختم الخلافة المحمدية. وقد وقع هذا الانقسام، لأن الوجود لا يتسع لظهور محمد صلى الله عليه وآله وسلم بحقيقته كلها في عالم الشهادة. ولهذا جهلت أمته في عمومها مرتبته، وانحجبت بحجب الأنبياء عند عدم فقه دلالتهم عليه صلى الله عليه وآله وسلم عبر الأزمنة كلها. ولقد بلغ ببعض الجهلة، من هذه الأمة، أن يرى عيسى أفضل من محمد صلى الله عليه وآله وسلم؛ ويستدل على ذلك بما ورد في القرآن من ذكرٍ لإحياء روح الله للموتى؛ سمعت هذا ممن سمعه من قائله. وما يتفطن المسكين أن القرآن هو صفة محمد صلى الله عليه وآله وسلم؛ ولولاه ما عرف أحد لا عيسى ولا غيره. وأما إحياء الموتى، فإن الورثة المحمديين يفعلونه ببركته صلى الله عليه وآله وسلم، بما لا يُحصى من المرات في كل الأزمنة؛ ولكن العباد لا يحكمون إلا بمقدار علمهم في الأمور. وأين علمهم من علم الله فيها!...
ولنعد إلى سليمان وما ذكره الله عنه:
يقول الله تعالى: {وَدَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ إِذْ يَحْكُمَانِ فِي الْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شَاهِدِينَ . فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ وَكُلًّا آتَيْنَا حُكْمًا وَعِلْمًا} [الأنبياء: 78، 79]. وذلك لأنه في حياة داود عليه السلام، اختصم خصمان لديه؛ أحدهما صاحب زرع والآخر صاحب ماشية. فأفسدت الماشية الغرس لصاحبه، فشكاه إلى المـَلِك؛ فقضى الملك بأن يُعطى المتضرر الغنم بدلا عن محصوله. فلما خرج الخصمان سأل سليمان عما قضى به أبوه؛ وبعد علمه بالأمر، دخل عليه وأخبره بأن الحكم ليس كما قضى هو. فلما استفسر الوالد ابنه، أجابه الابن بأن صاحب الغرس فقد غلة عامه، ولم يفقد أصل ماله كله؛ لهذا ينبغي أن يُعطى الزرعُ لصاحب الغنم حتى يُصلحه للعام القابل، وتُعطى الغنم لصاحب الزرع من أجل الانتفاع بأصوافها ولبنها وولدها ذلك العام كله. فاستحسن داود رأي ابنه، وراجع حكمه الأول؛ وكان هذا هو ما فهّمه الله سليمان في النازلة. وهو من بديع الحكمة الإلهية!...
وأما قصة سليمان مع بلقيس ملكة سبأ، فلن ندخل في تفاصيلها؛ وسنكتفي بالإشارة إلى أهم دلالاتها، وهي:
1. إن سليمان كان حاكما على العالم كله؛ ولولا ذلك ما كان ليجتمع بجنوده من جميع المخلوقات، لتُخبره بما تعلم من أحواله وما يستجد فيها. وإن هذا الاجتماع للوزراء والجنود، ذي الصبغة العالمية، كانت تُقدَّم فيه التقارير إلى الملِك العام (الخليفة)، كما تُقدّم له تقارير مملكة بني إسرائيل الصغيرة. والمطابقة تامة من جميع الأوجه، بين الصورتين؛ وهي نافعة في تبيّن الخلافة الكبرى عن الله.
2. إن صور الجنود من "نقباء" أجناس الخلق، هي صور باطن سليمان لا غيره. وهذا يعني أن سليمان كان المـُخبِر لظاهره بما يعلمه باطنه فحسب. وهذه هي حقيقة الخليفة الإلهي في كل زمان.
3. إن قهر سليمان لبلقيس، كان من غيبه قبل أن يكون من شهادته. ولولا ذلك ما أتته من بلادها بدءاً. فلما حضرت، أراها سليمان بعض ما في قدرته، فعلمت بما آتاها الله من فطنة ومن ذوق في المـُلك من جهتها، مرتبته الإلهية فأسلمت (انقادت وأطاعت)؛ فأسلم بإسلامها من كان تحت حكمها.
4. إن عبادة بلقيس وقومها للشمس من دون الله، كانت عبادة لصورة من الصور الاسمية (المظاهر)؛ فرقّاها سليمان إلى عبادة الظاهر بالمظاهر. فعلمت مقدار هذه النعمة، وعلمت فضل الله عليها، وكانت من الشاكرين.
5. إن إتيان سليمان بعرش بلقيس، بتصرّف من أحد أتباعه، كان إعلاما للحاضرين، ولجميع من بلغه خبر ذلك عبر الوحي الإلهي من جميع الأزمنة، بأن الوجود صادر عنه في زمانه؛ وأنه يفعل فيه بمشيئته ما يريد.
ومن لطيف ما حكى الله عن اليهود، ووحدة موقفهم من الأنبياء جميعا، قوله سبحانه: {قُلْ مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلَى قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللَّهِ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَهُدًى وَبُشْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ . مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِلَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ فَإِنَّ اللَّهَ عَدُوٌّ لِلْكَافِرِينَ} [البقرة: 97، 98]؛ وذلك عند إخبارهم بعداوتهم لجبريل عليه السلام دون ميكائيل. فرد الله عليهم بأن من كان عدوا لجبريل فإنه حتما يكون عدوا لسائر الملائكة، ولله قبلهم. والعداوة لله هنا، هي العداوة للخليفة الذي هو محمد صلى الله عليه وآله وسلم، في زمانه، وفي جميع الأزمنة (في جميع الصور). نقول هذا، لأن عداوة الله بغير هذا المعنى لا تصح لأحد من المخلوقين. وهذا من لباب العلم القرآني الرباني. ثم يقول الله عنهم: {وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُو الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ} [البقرة: 102]. وهذا لأن الخليفة له من الاسم "المضل" صورة تضاهي صورته الحق من اسمه "الهادي". وتلك الصورة يظهر بها إبليس وجنوده في العالم في زمان الخليفة ذاته؛ وهو معنى قوله تعالى: {عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ}، أي على عهده. وكما كانت صورة سليمان الحق هداية لبلقيس ولجميع المؤمنين، فإن الصورة الوهمية كانت في مقابل الاقتدار السليماني سحرا في عالم الخيال. ولما كان بنو إسرائيل في صفتهم الغالبة على الضلال الذي يظهرون به في كل مرة مع أنبيائهم، فإنهم رغبوا عن سليمان واتبعوا علم السحر لظنهم أنه مساوٍ لما أوتيه من مُلك؛ بسبب التباس الصورتيْن عليهم. والسحر من تسميته، هو ناشئ بين العلم الحق، وعلم التصوير الخيالي؛ وهو من أجلّ العلوم، على ما حكم الشرع بذمّ في حقه. وما ذمه الشرع وحرّمه، إلا لأنه يجر الناس إلى أصله الكفري جرّا قهريا لا انفكاك لأهله عنه. وبقيت هذه الصفة من الاشتغال بالسحر، متوارثة لدى الإسرائيليين إلى الآن. يقول الله عنهم بعد ذلك، بما يُثبت كفرهم: {وَلَوْ أَنَّهُمْ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَمَثُوبَةٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ خَيْرٌ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ} [البقرة: 103].
وكان، أهم ما فعله سليمان، بناء "بيت الرب" في أورشليم، وتسوير المدينة ورعاية الشعب في رخاء وسَعة. وكان بيت الرب في بيت المقدس في مقابل البيت الحرام الذي بناه إبراهيم بمكة. ولقد قلنا سابقا، إن بيت المقدس هو مقام القلب في الديانة. ولهذا فإن تديّن بني إسرائيل لدى خصوصهم، سيدور حول مقامات الإيمان، لا حول مقامات الإحسان. وأما العوام من كل أمة، فهم من مرتبة الإسلام العامة دائما. وإن تعلقوا بالبيت، فإن تعلقهم يكون تعلق عبادة، لا تعلّق عبودية. وعندما نجد -مثلا- قول سليمان للرب هكذا: "فَاسْمَعْ مِنَ السَّمَاءِ صَلاَتَهُمْ وَتَضَرُّعَهُمْ وَاقْضِ قَضَاءَهُمْ."[4]، فإننا نعلم أنه يقصد الصورة الإنسانية من فوق السماوات، التي تكلمنا عنها في الباب الأول؛ ونعلم أن الدين في المرحلة الإسرائيلية الأولى (الموسوية) يدور على القلب، كما سبق أن ذكرنا. نقول هذا، لأن الدين ليس مرتبة واحدة في التاريخ؛ ولأن معرفة الله القلبية، ليست أعلى ما يكون من المعرفة.
وأخذ الله العهد على سليمان (كما أخذه على موسى)، كما ورد في التوراة: "وَأَنْتَ إِنْ سَلَكْتَ أَمَامِي كَمَا سَلَكَ دَاوُدُ أَبُوكَ بِسَلاَمَةِ قَلْبٍ وَاسْتِقَامَةٍ، وَعَمِلْتَ حَسَبَ كُلِّ مَا أَوْصَيْتُكَ وَحَفِظْتَ فَرَائِضِي وَأَحْكَامِي، فَإِنِّي أُقِيمُ كُرْسِيَّ مُلْكِكَ عَلَى إِسْرَائِيلَ إِلَى الأَبَدِ كَمَا كَلَّمْتُ دَاوُدَ أَبَاكَ قَائِلًا: لاَ يُعْدَمُ لَكَ رَجُلٌ عَنْ كُرْسِيِّ إِسْرَائِيلَ. إِنْ كُنْتُمْ تَنْقَلِبُونَ أَنْتُمْ أَوْ أَبْنَاؤُكُمْ مِنْ وَرَائِي، وَلاَ تَحْفَظُونَ وَصَايَايَ، فَرَائِضِيَ الَّتِي جَعَلْتُهَا أَمَامَكُمْ، بَلْ تَذْهَبُونَ وَتَعْبُدُونَ آلِهَةً أُخْرَى وَتَسْجُدُونَ لَهَا، فَإِنِّي أَقْطَعُ إِسْرَائِيلَ عَنْ وَجْهِ الأَرْضِ الَّتِي أَعْطَيْتُهُمْ إِيَّاهَا؛ وَالْبَيْتُ الَّذِي قَدَّسْتُهُ لاسْمِي أَنْفِيهِ مِنْ أَمَامِي، وَيَكُونُ إِسْرَائِيلُ مَثَلًا وَهُزْأَةً فِي جَمِيعِ الشُّعُوبِ، وَهذَا الْبَيْتُ يَكُونُ عِبْرَةً. كُلُّ مَنْ يَمُرُّ عَلَيْهِ يَتَعَجَّبُ وَيَصْفُرُ، وَيَقُولُونَ: لِمَاذَا عَمِلَ الرَّبُّ هكَذَا لِهذِهِ الأَرْضِ وَلِهذَا الْبَيْتِ؟ فَيَقُولُونَ: مِنْ أَجْلِ أَنَّهُمْ تَرَكُوا الرَّبَّ إِلهَهُمُ الَّذِي أَخْرَجَ آبَاءَهُمْ مِنْ أَرْضِ مِصْرَ، وَتَمَسَّكُوا بِآلِهَةٍ أُخْرَى وَسَجَدُوا لَهَا وَعَبَدُوهَا، لِذلِكَ جَلَبَ الرَّبُّ عَلَيْهِمْ كُلَّ هذَا الشَّرِّ.»"[5]. وسنرى في مُقْبِل تاريخ بني إسرائيل -وبعد سليمان بوقت طويل- أن هذا هو ما وقع؛ وللأسباب التي ذُكرت هنا وقع. وأما ما ذكره الكَتبة عن سليمان في التوراة عند قولهم: "وَكَانَ فِي زَمَانِ شَيْخُوخَةِ سُلَيْمَانَ أَنَّ نِسَاءَهُ أَمَلْنَ قَلْبَهُ وَرَاءَ آلِهَةٍ أُخْرَى، وَلَمْ يَكُنْ قَلْبُهُ كَامِلًا مَعَ الرَّبِّ إِلهِهِ كَقَلْبِ دَاوُدَ أَبِيهِ. فَذَهَبَ سُلَيْمَانُ وَرَاءَ عَشْتُورَثَ إِلهَةِ الصِّيدُونِيِّينَ، وَمَلْكُومَ رِجْسِ الْعَمُّونِيِّينَ. وَعَمِلَ سُلَيْمَانُ الشَّرَّ فِي عَيْنَيِ الرَّبِّ، وَلَمْ يَتْبَعِ الرَّبَّ تَمَامًا كَدَاوُدَ أَبِيهِ. حِينَئِذٍ بَنَى سُلَيْمَانُ مُرْتَفَعَةً لِكَمُوشَ رِجْسِ الْمُوآبِيِّينَ عَلَى الْجَبَلِ الَّذِي تُجَاهَ أُورُشَلِيمَ، وَلِمُولَكَ رِجْسِ بَنِي عَمُّونَ. وَهكَذَا فَعَلَ لِجَمِيعِ نِسَائِهِ الْغَرِيبَاتِ اللَّوَاتِي كُنَّ يُوقِدْنَ وَيَذْبَحْنَ لآلِهَتِهِنَّ. فَغَضِبَ الرَّبُّ عَلَى سُلَيْمَانَ لأَنَّ قَلْبَهُ مَالَ عَنِ الرَّبِّ إِلهِ إِسْرَائِيلَ الَّذِي تَرَاءَى لَهُ مَرَّتَيْنِ، وَأَوْصَاهُ فِي هذَا الأَمْرِ أَنْ لاَ يَتَّبعَ آلِهَةً أُخْرَى، فَلَمْ يَحْفَظْ مَا أَوْصَى بِهِ الرَّبُّ."[6]، فإنه افتراء وبهتان كله. ولا نظن دافع بني إسرائيل إلى رمي سليمان بالشرك فيه، وهو المعصوم عنه عصمة كاملة يقينية، إلا عنصريتهم المتأصلة فيهم، والتي منعتهم من قبول زوجات سليمان من غير الإسرائيليات. وقد كانت أولاهن بنت فرعون مصر، التي ما لبثت أن عادت إلى بلدها. ولما مات سليمان عليه السلام، تولّى الملك بعده "رَحْبُعام" ابنه... فعلى داود وسليمان السلام!...

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[1] . أخرجه البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه.
[2] . أخرجه أبو داود عن البراء بن عازب رضي الله عنه.
[3] . أخرجه أبو يعلى في الزوائد، عن أنس بن مالك رضي الله عنه.
[4] . الملوك الأول: 8: 45.
[5] . الملوك الأول: 9: 4-9.
[6] . الملوك الأول: 11: 4-10.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ


التعليقات



إذا أعجبك محتوى الموس الشعريه وعه ا نتمنى البقاء على تواصل دائم ، فقط قم بإدخال بريدك الإلكتروني للإشتراك الموسوعه بريد المدونة السريع ليصلك جديد المدونة أولاً بأول ، كما يمكنك إرسال رساله بالضغط على الزر المجاور ...

إتصل بنا

جميع الحقوق محفوظة

موقع مليون شاعر وشاعره مصرى وعربى

2016