لماذا نتذكر الماضي
قصة تدور أحداثها في بداية الألفية الماضي وتحديد في أحدى مدن الجزائر الشمالية الشرقية اثناء فترة الإستعمار الفرنسي للجزائر منطقة يطلق عليها (القبائل)وهي تقع بين سلسلة جبال اطلس الشمالية واشهر جبالها (الأوراس) وما تسمى اليوم بمدينة (تيزي وزو) كان المجتمع يغلب عليه الطابع الأمازيغي وسكان هذه المناطق الجبلية يتمتعون بخبرتهم في العيش البسيط فكانوا يزرعون الزيتون وبعض الفواكه هذا كان مصدر غذائهم أما ما يلبسون ويسكنون كانت بيوتهم تقليدية مبنية من الحجارة والطين ، وألبستهم من صوف وجلود حيواناتهم التي يربونها فتحيك النساء الملابس وتنسج الزرابي والسجاد والحصير وتصنع أوني الطبخ من طين ومن اغصان الزيتون كان مجتمعهم بسيط تسوده المحبة وحسن الخلق والإخاء ......
وهذه مذكرات فتاة عاشت طفولتها في تلك الفترة المريرة فبعد ان مرت كل تلك السنين وهي في السبعينات من عمرها الآن تسترجع ذاكرتها المليئة بالتساولات التي لم تجد لاغلبها أجابات إلى الآن
تجربة قصصية ارجو ان تنال اعجابكم
(لماذا نتذكر الماضي ؟)
********٪بقلم /اميمة صابح
==================================
أنا طفلة تخلت عنها الطفولة سأقص عليكم قصتي ؛و أعرف أنكم تتوقون لسماعها؛ فقد كنت في السادسة من عمري حين رافقت أسرتي ذات يوم أبي وأمي وجدتي إلي ذاك الشاطيء الذي لا يزال محفورا بذاكرتي؛ ولم يفارق مخيلتي أبدا؛ كانت جدتي تبكي وأبي يحضنها ؛ وأمي تمسح دموعها التي كانت تشبه المطر في غزارتها تتساقط على وجنتيها ؛ و هناك كانت ترسو السفن ،والجنود يأخذون الرجال مكبلين بالسلاسل يركبونهم في تلك القوارب والسفن؛ وأناس عند شط البحر يقفون ويحملون أغراضهم ؛ ينادي على شخص من المكبلين ؛ فما زالت صورة ذلك الرجل محفورة في ذاكرتي ومخيلتي ،فقد كان كبيرا في السن ملقى على الأرض في صورة تثير الشفقة؛ ولمحت امرأة تنادي عليه وتصرخ ؛ قائلة : دعوه أرجوكم؛ ولكن الجنود يجرونه كأنه حيوان مذبوح وليس من البشر؛ يخافون ان يتعرض لهم بالأذى؛ أرادوا التخلص منه ؛ولما رأت جدتي المنظر زاد بكاها؛ ثم نطقت بكلمات متقطعة وكأن الحروف لا يجد مخرجا ليصل شفاهها (اين والدك ياعمر ؟؟) وفي تلك الأثناء رأينا جنودا يأتون نحونا وفي أيديهم قوائم بها اسماءء؛ تأهب أبي لملاقاة الجنود فقد كانوا يتكلمون الفرنسية؛ وأنا بطبيعة الحال لم أفهم شيئا مما ما قالوه لأبي؛ ووجدت والدي قد سلمهم ما كان يحمله من اغراض جدي وعندها قالت جدتي: دعونا نودعه الوداع الأخير : وبنظرة كلها قسوة نظر الجندي إليها وقال : ارجعي إلي الوراء ؛ وكان يحمل بندقية في يده ووجهها نحو جدتي حين نادته تسأله عن جدي؛ فقام أبي وضم جدتي له ليحميها من ذلك الجندي المتهجم، وأنا أحاول أن أفهم ما يحدث أمامي؛ لكنني لم أفهم بعد شيئا حتى جاءت أصوات مدوية كأنها أجراس أو منبهات تنبهنا لأمر ما سوف يحدث؛ عندها أمر الجنود الناس بالابتعاد عن السياج ؛وبينما نحن نتراجع إلى الخلف خطوات، صرخت جدتي يا عمر :ها هو والدك كان شيخايرتدي عباءة بيضاء وعمامة؛ ثم ناداه والدي أبي أبي نحن هنا :فقد كان مقيدا كبقية الناس؛ فنظر تجاهنا وبدت على وجهه علامات الامتهان، والذل، والعناء، والتعب، ورفع يده اليمنى يشير لنا بالسلام ؛ هنا انهارت جدتي عندما رأته في هذا المنظر الرهيب أمسكت بيد أبي؛ والدموع تنهمر كالشلالات من عيونها وهي تقول راح أبوك ، يا عمر راح أبوك. كأنها تقصد أن مكروها ما ينتظره ؛وحينها رأيت أمي تحضنها فتبدأ هي الأخرى بالبكاء؛ وأبي قد أدمعت عيناه؛ إلا أن دمعته توقفت وكانت عصية ، ولازالت تلك الأصوات تطرق آذاني إلى اليوم؛ صرخات وضجيج ومراكب تنتظر أن تقل المنفيين لفرنسا
بقى جدي هناك عشر سنوات دون أن نعرف عنه شيئا،
حتى جاءت بشائر النصر واستقلت البلاد بفضل أولادها البواسل وفضل شرفائها الأوفياء؛ فبحث والدي عن جدي؛ وفي قوائم تحصلت عليها الجزائر من فرنسا فكان اسمه من ضمن المئات بل الألاف ممن أبعدوا قسرا وغصبا عن ديارهم بدون وجه حق.
فتابع أبي الاستفسار؛ إلى أن توصل لحقيقة وفاته في سجون فرنسا.
كان وقع الخبر كارثيا على جدتي التي لم تتحمل خبر وفاة جدي؛ وتوفيت بعد شهر من ذلك متاثرة بحزنها الشديد الذي دام سنوات وحملته في قلبها
اليوم وبعد أن مر كل هذا الوقت فهمت ما معنى كلمة (وطن)؟ وما معنى سنوات الحرمان التي عاشها الشعب الجزائري؟ وما سببته فرنسا الإستعمارية من دمار وتراجع لبلدي؟ وبعد ان درست الحقوق؛ وعملت قاضيا؛ ودرست القانون أردت أن أطالب بتعويض من فرنسا عن كل ما تسببت فيه من سفك دماء الأبرياء ونهب خيراتنا وتجويعنا وذلنا الذي مايزال يتذكره الجزائريون.
احتفظت بمذكراتي في ذاكرتي التي نقشت عليها كل ما حصل لنا
الحمد لله أننا نلنا حريتنا وطردنا فرنسا واسترجعنا حقنا
كانت الساعة الثالثة بعد الظهر وانا اجلس خلف مكتبي وأدون لكم هذه الكلمات التي حملتها في ارشيف الأيام الماضية .