2ـ مفهوم النسيان عند فحول الشعراء العرب
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
بقلم/ مجدي شلبي (*)
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ضيف ندوتنا (الافتراضية) اليوم؛ هو الشاعر محمد بن سليمان بن علي بن عبد الله التلمساني، وقد لقب بـ(الشاب الظريف) لرقته وطرافة شعره، وها هو الآن يتجه (افتراضيا) نحو المنصة ـ محييا ومرحبا ـ فيقول:
أَهْلاً بِمُعْتَلِّ النَّسِيم وَمَرْحَبا *** وَمُذكّرِي عَهْدَ الصَّبابةِ والصِّبا
حَمَلَ التَّحِيّةَ مِنْ أُهَيْلِ المُنْحَنَى *** وَأَبانَ عَنْهُمْ بِالمقالِ وأَعْربا
غَبْتُمْ وأَنْتُمْ حَاضِرُونَ بِمُهْجَتِي *** فَبِمُهْجَتِي أَفْدِي الحُضُورَ الغُيَّبا
ـ فيبادر الشاعر رفعت الصليبي بالإعلان عن حضوره؛ قائلا:
هنا في عالم النسيان *** لا كره ولا حبّ
هنا لا بسمة يفترّ *** عنها مبسم عذب
هنا قد غفل الدهر *** فلا سلم ولا حرب
هنا ضاع الشباب سدى *** وشاخ وأقفر القلب
ـ فيقول الشاعر زكي مبارك:
أحاول نسيان الذي كان بيننا *** فينقلب النسيان ضرباً من الذكر
إذا زار طيف اسكندرية خاطري *** تذكرت ما بيني وبينك من أمر
ـ فيضيف الشاعر ابن زيدون:
عاوَدتُ ذِكرى الهَوى مِن بَعدِ نِسيانِ *** وَاِستَحدَثَ القَلبُ شَوقاً بَعدَ سُلوانِ
ـ فيقول الشاعر أبو العلاء المعري:
كُلُّ ذِكرٍ مِن بَعدِهِ نِسيانُ *** وَتَغيبُ الآثارُ وَالأَعيانُ
إِنَّما هَذِهِ الحَياةُ عَناءٌ *** فَليُخَبِّركَ عَن أَذاها العِيانُ
ـ فيعلن الشاعر زكي مبارك عن موقفه إزاء قضية النسيان؛ فيقول:
سأنسى كما تنسى وما تلك بدعة *** فما كل نسيان يكون من البصر
سأنسى الذي قد كان بيني وبينكم *** وإن أصبح النسيان ضربا من الكفر
ـ فيقول الشاعر نسيب عريضة؛ مناشدا (نعمة النسيان):
أناملَ النسيانِ مُرِّي على *** قلبي مُرورَ الوَحيِ في الخافيات
وأغمِضي فيهِ جُفون الأسى *** وأوصدي فيه كوى الذكريات
ـ فيعلن الشاعر إبراهيم ناجي عن سعادته؛ قائلا:
فيض من النسيان يغمرني *** إني لأحمد سيله العرما
مستسلماً للموج يغمرني *** فرحان حين أعانق العدما
ـ فيقول الشاعر ابن نباته المصري:
حاشا لوعدك أن يلويه نسيان *** وحسن وجهك أن يعدوه إحسان
يا من وقفت عليه العين ساهرة *** أقسمت لا صدّ عيني عنك إنسان
ـ فيضيف الشاعر د. عبد الرحمن العشماوي:
كلما زدت صدودا وابتعادا *** زاد قلبي لك شوقا وامتثالا
لم أجد في البعد والقرب دواء *** أصبح النسيان من مثلي محالا
لم تطل أوقاتنا منذ التقينا *** غير أنا قد زحمناها وصالا!
وملأناها وفاء , سوف يبقى *** في جبين الدهر للناس مثالا
أيها الشاكي من البعد تمهل *** ربما تجني من القرب وبالا!
ـ فيقول الشاعر ظافر الحداد:
أَفْرط نسياني إلى غايةٍ *** لم تُبْق في النسيانِ لي جِنْسا
فصرتُ أنسى الطِّرْسَ في راحتي *** وصرتُ أنسى أنني أَنْسى
ـ فيضيف الشاعر عمر ابن أبي ربيعة:
كلما قلتُ: تناسى ذكرها، *** رَاجَعَ القَلْبُ الَّذي كَانَ نَسي
مَن يَكُن أَمسى خَلِيّاً مِن هَوىً *** فَفُؤادي لَيسَ مِنها بِخَلي
أَو يَكُن أَمسى تَقِيّاً قَلبُهُ *** فَلَعَمري إِنَّ قَلبي لَغَوي
ـ فيقول الشاعر سلطان السبهان:
يا للشتا كلما النسيانُ أدفأنيْ *** أرخى ذراعيْهِ للنسيانِ واعتنَقهْ
في ذمة الله يا روحاً سَموتُ بها *** وأولُ اسمٍ فؤاديْ في الهوى نطقهْ
في ذمة الله يا كوناً يعيشُ معي *** والناسُ تحسبُهُ سطراً على ورَقة ْ
ـ فيعقب الشاعر أحمد شوقي:
عَظيمُ الناسِ مَن يَبكي العِظاما *** وَيَندُبُهُم وَلَو كانوا عِظاما
أَرى النِّسيانَ أَظمأَه، فلمَّا *** وقفتَ بقبرهِ كنتَ الغماما
ـ فيقول الشاعر مطلق عبد الخالق:
ولما قضيت بكاك الصحاب *** وأولوك عطفاً لهم يشفع
وهذي سعادك ملء القلوب *** تحفّ بها العين والمسمع
وشيمة قيومك نسيان من *** يعيش وذكر الذي يصرع
سنذكر أعمالك الخالدات *** ونقفو خطاك ولا نفزع
ـ وعن غيره يقول الشاعر إبراهيم عبد القادر المازني:
جاء إلى الدنيا على رغم أنفه *** وراح على كره الأماني الشوارد
أراد خلود الذكر في الأرض ضلة *** فأورده النسيان مر الموارد
ـ فيقول الشاعر صالح الشرنوبي:
هاتي ليَ الشعرا *** مهلهل الأوزان
ينسج لي قبرا *** في مهمَهِ النسيان
ما ضرّ من نادى *** للموت أحلامي
لو أنه عادا *** فضمّ أيامي
ـ فيقول الشاعر زكي مبارك:
سأنسى كيف أنسى لست أدرى *** ففي النسيان أكواب العذاب
وشاب الرأس من وجدى وحبي *** فأخفيت الذوائب بالخضاب
ـ فيضيف الشاعر معروف الرصافي:
جلت الطبيعة في رباه بدائعاً *** تكسو الكهول غضاضة الشبان
يا صاحبيّ أتذكران فإنني *** لم أنس بعد كما سوى النسيان
ـ فيقول الشاعر البحتري:
نَسِينَا ما عَهِدْنا، غَيرَ أنّا *** يُذكّرُنَا نَداهُ مَا نَسِينَا
ـ فيقول الشاعر أبو تمام:
لا تَنْسَيَنْ تلكَ العُهُودَ فإنَّما *** سُميتَ إنساناً لأنك ناسي
ـ فيضيف الشاعر ابن الرومي:
فإن تُبِعْنَ بعهد قُلْنَ معذرة *** إنا نسينا وفي النِّسوان نسيان
إنا نسينا وفي النِّسوان نسيان *** يكْفِي مُطالبنا للذِّكر ناهية
أنَّ اسمنا الغالبَ المشهورَ نِسوان *** لا نُلْزمُ الذكرَ إنّا لم نُسَمَّ به
ـ فيقول الشاعر أسامة بن منقذ:
تَناسَوْا، أو نَسُوا عهدي، ومالُوا *** إلى جَحْد الهوى كلَّ المميلِ
ولمَّا أن رَأَوا حَسَنِي قبيحاً *** رأوا غمط الجميل من الجميل
ـ فيقول الشاعر جرير:
أربتْ بعينكَ الدموعُ السوافحُ *** فلا العهدُ منسيٌّ ولا الربعِ بارحُ
ـ فيضيف الشاعر بدوي الجبل:
لا ترقبوا منّي تناسي عهدكم *** إنّ الوفاء المحض من أخلاقي
لقد زعم الواشون أنّي نسيتكم *** شروط الهوى: أن لا تعيروهم أذنا
أصون الطيوف بين جفوني *** لو تطيق الجفون للطّيف ردّا
أنا الصاحب الوفيّ فما خنت *** حبيبا و لا تناسيت عهدا
ـ فيقول الشاعر ابن الرومي:
أيها المأمون من نسيانه *** أكذا أنسى ولو غبت سنه
ـ فيكمل الشاعر بدوي الجبل:
ما أكرم النسيان و العفو منكم *** إذا لم يضع حق و لم يحتسب وتر
ـ فيضيف الشاعر أبوالعلاء المعري:
وَالشَرُّ طَبعٌ وَقَد بُثَّت غَريزَتُهُ *** مَقسومَةً بَينَ أَنواعٍ وَأَجناسِ
ذكرْتَ لَفْظاً، وأُنسيتَ المرادَ به، *** من قائليهِ، فأنتَ الذاكرُ النّاسي
تَخَرَّصَ القَومُ في الأَخبارِ أَو مُسِخوا *** فَبُدِّلوا بَعدَ إِنسٍ جيلَ نَسناسِ
تَصَعَّدَ الجَوهَرُ الصافي وَخَلَّفَنا *** في الأَرضِ كَثرَةَ أَوساخٍ وَأَدناسِ
ـ فيقول الشاعر أحمد شوقي:
قد أنسى الإساءة من حسودٍ *** ولا أنسى الصنيعة والفعالا
إِذا فَعَلوا فَخَيرُ الناسِ فِعلاً *** وَإِن قالوا فَأَكرَمُهُم مَقالا
ـ فيضيف الشاعر الفرزدق:
لَعَمْرِيَ لا أنْسَى أيادِيَ أصْبَحَتْ *** عَليّ وَلا الفَضْل الّذي أنَا شاكِرُهْ
وأبَى الحُزْنُ أن أنسَى مَصَائبَ أوْجعتْ *** صَمِيمَ فُؤادٍ كَانَ غَيرَ مَهينِ
ـ فيقول الشاعر إبراهيم ناجي:
ما أضيع الصبر في جُرحٍ أداريهِ *** أريد أَنْسَى الذي لا شيء ينسيهِ
ـ فيكمل الشاعر بدوي الجبل:
فأسبغي نعمة النسيان تغمرني *** عسى يخفّف من بلواي نسياني
ـ فيقول الشاعر جبران خليل جبران:
لست أنسى كيف أنسى أبد *** الدهر خدني وحبيبي ونصيري
ـ فيضيف الشاعر الفرزدق:
ورُبّ حَبيبٍ قَدْ تَناسَيْتُ فَقْدَهُ، *** يَكَادُ فُؤادي إثْرَهُ يَتَلَهّبُ
ـ فتقول الشاعرة الخنساء:
لا تَخْذُلاني فإنّي غَيرُ ناسِيَة ٍ *** لذِكْرِ صَخْرٍ حَليفِ المَجدِ وَالخِيرِ
ـ فيكمل الشاعر أحمد فارس الشدياق:
هيهات ليس له ند فينسينا *** فرط الحنين اليه بعض نسيان
ـ فيضيف الشاعر جبران خليل جبران:
هيهات أن تنسى مناقبه التي *** في كل ناد فاح منها عود
وما أنس لا أنسى المهذبة التي *** صينت محاسنها بتاج وقار
ـ فيقول الشاعر إبراهيم ناجي:
قلتُ أسلوك وكم من طعنة *** بالمداراة وبالوقتِ تهون!
فإذا حبُّكِ يطغى مُزبدًا *** كدفُوق السل طُغيانَ الجنونْ
وكذا تمضي حياتي كلُّهَا *** بين يأسٍ ورجاء وظنونْ
ما على الهجر معينُ أبداً *** وعلى النسيان لا شيء يُعينْ
ـ فيضيف الشاعر المتنبي:
نَسيتُ وَما أنسَى عِتاباً على الصّدِّ *** ولا خَفَراً زَادَتْ بهِ حُمرَةُ الخدِّ
يُعَلِّلُنا هَذا الزَمانُ بِذا الوَعدِ *** وَيَخدَعُ عَمّا في يَدَيهِ مِنَ النَقدِ
ـ فيقول الشاعر حسان بن ثابت:
لا المالُ ينسيني حيائي وعفتي، *** ولا واقعاتُ الدهرِ يفللنَ مبردي
ـ فيضيف الشاعر جبران خليل جبران:
يا من لهم في صميم القلب أمثلة *** تطيل مكثي في أهلي وأصحابي
إن غاب جسمي والأيام منسية *** أبقيت رسمي ذكرى بين أحبابي
ـ ويختتم الشاعر إبراهيم ناجي ندوتنا (الافتراضية) بأبيات من قصيدته (يا فؤادي رحم الله الهوى)/ كان صرحا من خيال فهوى:
لست أنساك وقد أغريتني *** بفمٍ عذبِ المناداة رقيق
ويد تمتد نحوي كيدٍ *** من خلال الموج مُدّت لغريق
لست أنساك وقد أغريتني *** بالذرى الشم فأدمنت الطموح
أنت روح في سمائي وأنا *** لك أعلو فكأني محض روح
لست أنسى ابداً *** ساعة في العمر
تحت ريح صفقت *** لارتقاص المطر
أيها الشاعر تغفو *** تذكر العهد وتصحو
وإذا ما التام جرح *** جد بالتذكار جرح
فتعلم كيف تنسى *** وتعلم كيف تمحو.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(*) عضو النقابة العامة لاتحاد كتاب مصر