حكايةُ بائعِ الزعْترِ
خرَجَ الفتى مُتَفائلًا للمعْبرِ
لبيْعِ ما في حملِهِ من الزعْتَرِ
لم يخشَ جندًا أو بنادقَ عسكرِ
خلفَ الحواجزَ أو وراءَ مُجنْزرِ
منْ بعدِ أنْ حرقَ العدوُّ كتابَهُ
وأطالَ بالقهْرِ الشديدِ عذابَهُ
منْ بعدِ أنْ نشرَ الظلامُ ذئابَهُ
فقدَ الفتى قبلَ الأوانِ شبابَهُ
سرقَوا بِكلِّ فظاظةٍ أحلامَهُ
نهبوا بكلِّ بشاعَةٍ أيامَهُ
وأدوا أمانَ فؤادِهِ وسلامَهُ
حرموهُ حتى فرشَهُ ومنامَهُ
هدْمُ الكنائسَ ثمًّ هدْمُ المنبَرِ
حرْقُ المدارسَ ثمَّ حرقُ الدفترِ
خِطَطُ العدوِّ الغاصبِ المستعمرِ
لضياعِ شعبٍ مبدِعٍ متحضِّرِ
لِيُحقِّقَ المحتّلُّ خطَّةَ غدْرِهِ
ويزيدَ منْ أحقادِهِ بلْ عُهْرِهِ
نثرَ السمومَ على العبادِ بفكْرِهِ
وَسَعى لقتلِ الأبرياءِ بمكرِهِ
صلّى الفتى بضراعةٍ واستغْفَرا
وسعى لكسبِ طعامِهِ مسْتبْشِرا
ما كانَ يومًا جاهِلًا مُتَهوِّرا
بلْ عاقِلًا مُتَأنِيّا مُتَبصِّرا
وصلَ الفتى مُتوكّلًا قبلَ الجميعْ
إذْ كانَ في خطواتِهِ جدًّا سريعْ
وبِطبْعِهِ وسلوكِهِ جدًّا وديعْ
لا العنفُ يعرِفُهُ ولا القولُ الفظيعْ
عرّضَ الفتى أكياسَهُ للعابرينْ
متوسِّمًا خيرَ الأهالي السائرينْ
متجاهلًا جندَ الغزاةِ الغادرينْ
متحدِّيًا حشدَ الذئابِ الماكرينْ
مرَّ العديدُ منَ المشاةِ بقربِهِ
فدعا عليهم واسْتَغاثَ بربِّهِ
لكنَّهمْ شكُّوا بما في جيبِهِ
وشكوكُهمْ تعني إصابَةَ قلبِهِ
سقطتْ على أشتالِ زعْتَرِهِ الدماءْ
فبكتْ عليْها حُرْقَةً عينُ السماءْ
وَتَناثرتْ قِصَصُ البطولةِ والفداءْ
عبرَ الزمانِ وَعبرَ أرْجاءِ الفضاءْ
د. أسامه مصاروه