حكمت نايف خولي
الحبُّ والمحبَّةُ الحقيقية
لا تقومُ المحبَّةُ الحقيقيَّةُ على صلةِ الأرحامِ
بقدرِ ما تقومُ على صلةِ الأرواحِ وتناغُمها وتحابُبِها .
ولو تصفَّحنا تاريخَ البشريةِ واستقرأنا شواهدَه
لوجدنا أنَّ أعظمَ شواهد الحبِّ وأكثرَها صفاءً
ونقاءً كانتْ خارجَ دائرةِ الأرحامِ والأقاربِ .
ولو تعمَّقنا وأبحرنا في أغوارِ
النَّفسِ لحصلنا على النتيجةِ ذاتِها وعلى الاستدلالاتِ
الثابتةِ التي تؤكِّدُ على حقيقةِ نقاءِ الحبِّ
والمحبَّةِ خارجَ دائرةِ الأرحامِ
وهذه النتائج تقودنا إلى الإحساسِ بوجودِ
كينونةٍ روحيةٍ مستقلةٍ ولو تداخلتْ وتمازجتْ
وتناظرتْ مع الكائن العضوي المشاهَد .
للرُّوحِ حياتها الخاصة وعالمها الخاص ومن الطبيعي
أن تؤثِّر وتتأثر بالجسد وتتفاعل معه ولكنها هي الجوهر
الحقيقي الثابت والدائم والخالد وما الجسد إلاَّ جوهر عرضي زائل .
وكلما صفتْ الروحُ وتحررتْ من قيودِ وسيطرةِ وهيمنة الجسدِ
كلَّما تعرفتْ على حقيقتِها وعلى عالمِها الخاص
وكلما خفَّ اهتمامها بالروابطِ الجسديةِ والقائمةِ
على أواصرِ الرحمِ والقربى والدم .
وما الجسدُ وما ينبع منه من دوافع وروابط
غير مصهرِ اختباراتٍ وتجارب ودروسٍ للروحِ
لكي تنمو وتتطورُ وتصعدُ في سلَّمِ التَّرقِّي .
وما دام الإنسانُ أسيرَ المفهومِ الجسدي المادي للحبِّ
وبكلِّ أشكالِه وألوانِه فسيظلُّ عبدَ المفاهيم والتفاسير الخاطئة .
وكلما ارتقى فهمُه للحب وسما من الجسدِ صعوداً إلى الروحِ
والأواصر الروحية كلما دخلَ في دائرةِ المحبةِ التي تعلو
فوق كلِّ المفاهيمِ الماديةِ والجسديَّةِ للحبِّ .
وحتى بين الأهلِ والأبناءِ إذا لم تتنقَّ وتسمو وتتصعَّدْ المشاعرُ
من المستوى الجسدي إلى العلاقة الروحية
. يبقى الحبُّ مزيَّفاً مقنَّعاً وغير صادقٍ
الإنسانُ روحٌ وعقلٌ قبل أن يكونَ جسداً ومادةً
وكلُّ ما يقومُ على الروح والعقل هو ثابتٌ
. وله ديمومةٌ واستمراريةٌ لأنَّ الرُّوحَ والعقلَ ثابتانِ دائمان
وكلُّ ما يقومُ على الجسدِ والمادَّةِ عرضيٌّ زائلٌ
لأنَّ الجسدَ والمادَّةَ عرضيانِ وزائلان ِ
ليت الإنسانَ والبشريَّةَ يُدركان هذه الحقيقةَ
ويعملان بوحيِها وتوجيهها
حكمت نايف خولي