محمد توفيق ممدوح الرفاعي
في زمن ما ومكان ما حدثت هذه الثرثرة
قالت : حدثني عن الأدب
فقال لها : هو الكمال في كل شيء وتهذيب للأخلاق بحسن التصرف واللباقة وصون اللسان عن الزلات وفحش الكلام وهو تحسين للكلمة حديثا وبيانا وابتكار الفنون الإنسانية الراقية وصياغة الحرف ونحت معانيه الجميلة كالشعر والبلاغة وفصاحته برتم موسيقي ناعم ينجذب اليه السامع وينصت كمن ينصت الى نغمة موسيقية تصل الى المستمع كنسمات الصباح الناعمة .
قالت : حدثني عن الكلمة
فقال لها : هي اصل الأشياء ومسمياتها فهي مفتاح كل شيء نريد الوصول اليه ونبتغيه وهي رسول القلب الى القلب وبوجودها وجد الانسان وهي اصل الحضارات ومنشؤها لانها مفتاح العلوم ففي البدء كانت الكلمة وفي النهاية ستكون كلمة فبالكلمة نبني حضارة وأجيالا وبها ندمر حضارة ونبيد أجيالا ونستطيع ان نبحر فيها الى كل العوالم وبها نصنع القوانين وندرس علم الاخلاق وقد يكون لها جرسا موسيقيا تدخل اعماق الانسان واما ان يكون لها جلجلة كوقع الصاعة تخرق الآذان تنفر منها الخلان .
قالت : حدثني عن الروح
قال لها : سأحدثك عن الروح والنفس لانهما توآمان متلازمان لايفترقان الا بالموت وقد اختلف في تعريفهما و التفريق بينهما علماء الدين والفلسفة وحتى علماء الاحياء هي اصل نشوء الانسان وبهما يحيا وبعدمهما يكون في عداد الاموات وقد ابقى الله الروح من علمه وحدث عن النفس رغم انهما متلازمان ولن نستطيع أن نخوض بها لأن الروح ذلك الشيء الخارق للطبيعة الغير ملموسة ندركها بالشعور وكذا أيضا النفس تلك القوة الخفية التي تعطي الإنسان خصائصه وقدراته ونميز فيها بين الحياة والموت فحياة الإنسان الجسدية مرتبطة بالروح والنفس معا فالروح عندما تكون شفافة طيبة نقية تكون النفس زكية عطرة تظهر ملامحها من عطر أنفاسها تسير بالجسد نحو الخير وعندما تكون سيئة تكون أنفاسها كريهة تتحاشاها الناس لخباثتها لأنها تنهج بالجسد نهجا شريرا تفضي بصاحبه الى الهاوية .
قالت : حدثني عن العقل
قال لها : هو مستودع الفكر ومنبع الحكمة وإدراكه وبه يعقل الانسان الأمور فمن أوتي العقل أوتي الحكمة في رجاحته نعمة وفي نقصانه نقمة من كان ذو عقل راجح كان فعالا ومبتكرا ومنتجا ويضع الأمور في نصابها ويحلل الأحداث بدقة ويردها الى اصلها وصاحب الحكمة والعقل الراجح تستشيره الناس لحنكته وفطنته وتلجأ اليه في الظروف الصعبة للاستنارة برايه وعلمه وحكمته ومن كان ذو جهالة كان اخرقا في قراراته مدمرا لنفسه ليس له قرارا ناجعا يخرج الأمور عن نصابها ومسارها الصحيح .
قالت : حدثني عن الأخلاق
فرد قائلا : هي الطباع والسجية الراسخة في النفس والسيرة الحميدة وطيب المعشر يكون صاحبها محترما ومن اكتمل عقله كان صاحب فضيلة لاكتمال أخلاقه و مهذبا في اقواله وأفعاله المحمودة صفي النفس طيب الخاطر فواحا كالعطر نثر ريحه الطيبة أينما تتلقفه الناس وتلتف حوله أما من عدمها عدم الرجاحة وكان صفاقا خسيسا صاحب رزيلة سيئ السمعة والمعشر يتصف بالفعال الشاذة تتجاهله الناس وتتفرق عنه وتتحاشاه أينما وجد كالريح النتنة .
قالت : حدثني عن القلب
قال : هو مستودع الحب والكراهية والعواطف الإنسانية ومخزن الاسرار فيه يستفتي الإنسان نفسه ويستخير به ومن كان قلبه كبيرا طيبا كان معيارا لفلاحه ونقائه تجتمع عليه الناس بالمحبة والمودة واحتمل كل من حوله على علاتهم والف بينهم واذا احب أحدا احبه بصدق واذا ائتلف قلبه على قلب حبيب أعطاه حبا عارما يصل الى حد الإيثار ومن كان حقودا وذو قلب اسود كان سوداويا أنانيا شتت الناس من حوله ورغبوا عنه .
قالت : حدثي عن المرأة
فأجاب بعد برهة : قد وصلنا الى اصعب الأسئلة هي ذلك المخلوق الجميل السهل الممتنع والذي اختزل فيه الله كل الصفات فهي الضعيف القوي يختزل قوته في ضعفه بسبب مكرها ودهائها وهو الذي احتوى العالم بضعفه ملهم الشعراء والفنانين وهو الكائن الذي حير الفلاسفة في فهمه ووصفه ، كم من الحروب قامت بسببها ومن أجلها وكم من العاشقين جنوا بها هوسا ان احبت احبت بقلبها قبل عقلها وتستطيع كتم حبها عمن تحب فهي اقدر من الرجل على كتم حبها له ولاتفصح عن حبها له حتى ولو كانت تهيم به عشقا حتى يفصح هو لها وان تجاهلها قاصدا او غير قاصد ارسلت له رسلا خفية تنبهه عنها ، وهي أيضا شقائق الرجال والند لهم لا تكتمل دورة الحياة إلا بها فهي اصل وجود الإنسان فلولا المرأة كانت الحياة جافية قاسية لا روح فيها إن صلحت واحسن تربيتها صلح المجتمع وان أسيء تربيتها فسد المجتمع إن أحبت أحبت بصدق وبقلبها قبل عقلها وكل جوارحها غيورة وتحب ان تمتلك من تحب وتعتبره من املاكها وتقاتل بشراسة للدفاع عن حبها و للحفاظ على من تحب وان كرهت تكره بقلبها وعقلها واذا انتقمت انتقمت بقسوة فمنهن كريح الصبا ومنهن كريح عاصفة هوجاء .
قالت : حدثني عن الرجل
فرد قائلا بعظمة : عامل وجود الإنسان القوي بجسده وهو العقل الذي يعقل واليد التي تبني وهو مدبر الأمور المجتمعية وقد جعل الله زمام الأمور بيده يتحدى الصعاب وعلى كاهله تبنى الحضارات حريصا على بيته وقومه فعلى زنده تضع المرأة ثقلها وعلى كتفه تنام قريرة العين مطمئنة اليه يعشق الانثى والجمال بعقله قبل قلبه قليل الصبر على فراقها ان احب افصح سريعا لها عن حبه لانه نادرا ما يستطيع كتم عواطفه نحوها ، به تستمر الخليفة وبعدمه تنقطع سلالة الإنسان فبرجولته وشهامته وبصلاحه ورجاحة عقله وصوابيته يبني مجتمعا حضاريا وبإحسانه وحسن تربيته للمرأة يبني جيلا سليما معافى وعلى عكس ذلك يفسد المجتمع ويهدم حضارة ويدمر أجيالا .
قالت حدثني عن الحب
فرد وقد اعتلاه الحميم : هذا ما عجز العلماء عن وصفه هو اعلى حالات السمو الإنساني وفيه تختزل كل المشاعر والأحاسيس الإنسانية النبيلةفيه تتجسد العلاقات الانسانية من محبة وكره وهو الرابط الاسري وصلة الرحم الذي يجمع بين افراد الاسرة لتكون اسرة متعاطفة مترابطةومنه يخرج ايثار الاوطان على النفس للدفاع عنها وهو كالخميلة الجميلة التي ينضوي تحتها المحبين وعادة يحدث الحب فجأة وبلا مقدمات فلولاه ما التقى رجل بامرأة وما زرع الإنسان زهورا ولا شجرا وما ائتلف الناس ولا تعاطفوا وما التأم شملهم ولا تغزل محبوبا بحبيبه وما عشقوا الناس النجوى في ضوء القمر ولولا الحب ما تكاثر نسل الإنسان فإن صقل الأدب الكلمة واقتنع بها العقل وطيبتها الأخلاق النبيلة ودخلت القلب ونطقها اللسان وهمس بها الحبيب لحبيبه وجمعت بينهما كان نتاجهما نسلا كريما وحضارة لا تبيد .
قالت : وكيف استطاعت حواء اخراج ادم من الجنة اليس بدهائها فكيف امن لها ثانية .
قال : ومن قال لك ان حواء اخرجت ادم من الجنة ، ادم هو سبب خروجهما من الجنة هو الذي سولت له نفسه بالاكل من الشجرة المحرمة وهو الذي اطعمها منه فلولا طمع نفسه ماخرج من الجنة وسابوح لك بسر اخر سيعود ادم ثانية الى الجنة ، قالت : كيف سيكون ذلك ؟
قال : برفقة حواء سيدخل ادم جنتين الاولى في الدنيا عندما تجعل بيتها روضة غناء تملوه حبا وعطفا وحنانا ، وفي الاخرة عندما تكون زوجة كريمة واما صالحة .
قالت : وهل نستطيع الان ان ندخل جنة الدنيا ؟
قال فرحا : وهل يعقل ان ارفض ذلك فأنا ابحث عمن تدخلني هذه الحنة ، وهذه المرة الاولى التي تفصح حواء عن حبها سابقة ادم بالإفصاح عن حبه ، فتأبطت يده والقت برأسها على كتفه ومضيا الى جنة الاحلام .
محمد توفيق ممدوح الرفاعي