خلاصة الآراء اللغوية في المختلف عليه من الألفاظ العربية
10ـ السعي بهِمَّة للتفريق بين (ذِمَّة) و(زِمَّة)
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
بقلم/ مجدي شلبي (*)
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
معلوم أن اللغة العربية بحر زاخر بالمفردات، كما يمكن استخراج العديد من المعاني والدلالات من جذر كل كلمة منها؛ فتُعتبر من أغنى اللغات وأكثرها غزارة، وقد تحقق لها مكانة أسمى وأجل وأعظم باعتمادها لغة تنزيل القرآن الكريم؛ يقول الحق سبحانه وتعالى في الآية 2 من سورة يوسف (إنَّا أنْزَلْناهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُم تَعْقِلُونَ).
ومن ثم يكون لزاما علينا الاحتفاء بتلك اللغة، والحرص على دقة استخدام مفرداتها؛ باعتبارها لغة القرآن الكريم؛ يقول الشاعر حمد بن خليفة أبو شهاب:
لغة القرآن يا شمس الهدى *** صانك الرحمن من كيد العدى
وما دعاني لكتابة هذه السلسلة من المقالات، هو اعتداء ـ بعض الكتاب ـ على حرمة العربية، وتشويه بعض كلماتها ـ إما عمدا أو جهلا ـ ككتابة كلمة (أستاذ)؛ هكذا (أستاز)!، وكلمة (حتى)؛ هكذا (حتا)، وعبارة (في ذمة الله)؛ هكذا (في زمة الله)!، فضلا عن الأخطاء الشائعة في الخلط بين همزتي القطع والوصل، وبين الهاء والتاء المربوطة، والياء والألف اللينة، وأخطاء في اختيار علامات الترقيم، وعدم دقة مواضعها... إلخ، وهو ما يلفت النظر ويدعو للحذر من انتشار تلك (اللغة) المشوهة؛ التي يصفها الشاعر صفي الدين الحلي:
لُغَةٌ تَنفُرُ المَسامِعُ مِنها *** حينَ تُروى وَتَشمَئِزُّ النُفوسُ
--------
وفي سعيي بهِمَّة نحو التفريق بين (ذِمَّة) و(زِمَّة)؛ أعددت هذا البحث المختصر:
* (ذِمَّة): الجمع: ذِمَم ـ والذِّمَّةُ: هي العهْدُ، (عديمُ الذِّمَّة): لا عهد له ولا ميثاق؛ يقول الشاعر أحمد محرم:
الذئب أصدق من أولئك موثقاً *** وأبر منهم ذمة ًويمينا
ويقول الشاعر أحمد شوقي:
إِذا لَم تَصُن عَهداً وَلَم تَرعَ ذِمَّةً *** وَلَم تَدَّكِر إِلفاً فَلَستَ جَناني
ويقول الشاعر عبد الله الخفاجي:
بيني وبينكَ ذمة ٌ مرعية ٌ *** حاشَا مرائرُ عهدِها أنْ تنقضَا
ـ ويظل الضمير هو الضامن للوفاء بالعهد، والمحذر من شر الحنث فيه؛ يقول الشاعر جميل صدقي الزهاوي:
وعسى ان يأتي على الشر فيهم *** ما يحس الضمير من وخزات
ـ و(إبراءُ الذِّمَّة): إرضاء الضمير، ومنها (براءة الذمة): مخالصة، إبراء من دين.
ـ (إبراءُ الذِّمَّة) من الناحية الفقهية: إن لكل من الناس عهداً من الله تعالى بالحفظ والكلاءة، فإذا ألقى العبد بيده إلى التهلكة؛ انقطع عنه عهد الله؛ يقول الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم (فإنَّ من ترك صلاةً مكتوبَةً متعمِّدًا فقد برئت منه ذمة الله)، ويقول الشاعر حيدر بن سليمان الحلي:
برئت ذمّة ُ جبارِ السما *** من أناس منك قد أضحوا براءا
ـ و(فلانٌ في ذِمَّة الله): مات، في كنف الله وجواره؛ يقول الشاعر جبران خليل جبران:
عميد أمجاد كرام مضى *** في ذمة الله ولن يرجعا
ويقول الشاعر أحمد شوقي:
في ذِمَّة ِ الله الكريمِ وبِرِّهِ *** ما ضمَّ من عرفٍ ومن إحسان
ويقول الشاعر جبران خليل جبران:
في ذمة الله العلي مفارق *** هو خالد بالذكر غير مفارق
ويقول أيضا:
ألا في ذمة الرحمن ماض *** تيتمت الفضائل حين غابا
ـ والذِّمَّةُ (عند الفقهاء) أيضا: مَعْنًى يصير الإنسان بها أهلاً لوجوب الحقِّ له أو عليه؛ يقول الشاعر صفي الدين الحلي:
وفي ذمة ِالرحمنِ من ذمّ صحبتي، *** ولم أكُ يوماً ناقضاً لذمامهِ
ـ وفي ذمة التاريخ؛ يقول الشاعر إبراهيم ناجي:
في ذمة الأجيالِ ما غنَّت به *** قيثارةٌ سحريةُ الاوتارِ
ويقول الشاعر الشريف الرضي:
لبسوا لنا زرد النفاق فاصبحوا *** في ذِمّة ِ الخُلقِ اللّئِيمِ الأوْغَدِ
ـ وهذا الخبر (على ذِمَّة فلان): على عهدته ومسئوليّته
ـ كما أن (الذِّمَّةُ) تعني: الأمان، والحق والحُرمّة؛ يقول الشاعر مهيار الديلمي:
لكم في رقابِ الناس أمراسُ ذمّة ٍ *** بعيدٌ على استحصافها أن تحلَّلا
ويقول الحق سبحانه وتعالى في الآية 8 من سورة التوبة (كيف وإن يظهروا عليكم لا يرقبوا فيكم إلا ولا ذمة يرضونكم بأفواههم وتأبى قلوبهم وأكثرهم فاسقون)، وفي الآية 10 من سورة التوبة (لَا یَرۡقُبُونَ فِی مُؤۡمِنٍ إِلࣰّا وَلَا ذِمَّةࣰۚ وَأُو۟لَـٰۤىِٕكَ هُمُ ٱلۡمُعۡتَدُونَ)
ـ ويقول الشاعر جبران خليل جبران:
ولم يأل جهدا في رعاية ذمة *** ولم ينس حقا للعلى والمكارم
ـ أهل الذِّمَّة: المعاهَدون، ممَّن يُقيمون في دار الإسلام من أصحاب الديانات الأخرى، وسُمُّوا بذلك لدخولهم في عهد المسلمين وأمانهم؛ يقول الشاعر سبط ابن التعاويذي:
ولحُسنِ عَفوِكَ وهْوَ أَوفى ذِمّة ٍ *** للجارِ أنْ يَلقى لديْكَ تَهضُّما
ويقول الشاعر الفرزدق:
فَقُلْ ل بَني مَرْوَانَ: ما بالُ ذِمّةٍ *** وَحُرْمَةِ حِلٍّ لَيسَ يُرْعَى ذِمامُهَا
ويقول الشاعر حسان بن ثابت:
يا حارِ مَن يَغدِر بِذِمَّةِ جارِهِ *** مِنكُم فَإِن مُحَمَّداً لَم يَغدِر
إِن تَغدِروا فَالغَدرُ مِنكُم شيمَةٌ *** وَالغَدرُ يَنبُتُ في أُصولِ السَخبَرِ
وَأَمانَةُ المُرِّيِّ حَيثُ لَقَيتَهُ *** مِثلُ الزُجاجَةِ صَدعُها لَم يُجبَرِ
**************
* (زِمَّة): زَمَّ (فعل) زمَّ زَمَمْتُ، يَزُمّ، ازْمُمْ/ زُمَّ، زَمًّا زَميمٌ زُمومٌ، فهو زامّ، والمفعول مَزْموم، زَمَّتْ صُرَّتَها أو حَقِيبَتَها: شَدَّتْها وَرَبَطَتْها...
ـ و(الزِّمامُ): الحبل الذي يشد في طرفه المِقْوَد، وقد يسمى المِقوَد زِماماً، وزَمَمْتُ البعير: خَطَمْته؛ يقول الشاعر أبو زكريا الفراء (يا عجبا لقد رأيت عجبا):
حمار قبان يسوق أرنبا *** خاطمها زأمها أن تذهبا
ويقول الشاعر الشريف المرتضى:
ما ضرّ مَن لِلنوى زُمَّتْ ركائبُهُ *** لو جاد لِي ساعة التّوديع بالنّظرِ
"أَراد (زامَّها) فحرك الهمزة ضرورة لاجتماع الساكنين، كما جاء في الشعر اسْوأَدَّتْ" (لسان العرب)
ويقول الشاعر ابن دنينير:
خذ من قياد الدهر خير زمام *** وابشر بنيل سعادة ومرام
ويقول الشاعر بشار بن برد:
هَلّا تَحَرَّجتِ يا عَبّادَ مِن رَجُلٍ *** قَد زَمَّهُ الحُبُّ حَتّى ذَلَّ فَاِنقادا
ويقول الشاعر فاروق جويدة:
وأسلمت الزمان زمام أمري *** وعشت العمر بالشكوى أغني
وكان العمر في عينيك أمنا *** وضاع العمر يوم رحلت عني
ـ و(زَمَّ شَفَتَيْهِ دَهْشَةً): عَضَّ عَلَيْها، (زَمَّ الجَمَلَ): جَعَلَ لَهُ زِماماً، (زَمَّ زِمامَ حِذائِهِ): رَبَطَهُ، عَقَدَهُ، (زَمَّ الرَّجُلُ بِأَنْفِهِ أَوْ بِرَأْسِهِ): رَفَعَ رَأْسَهُ كِبْرِياءً وَتَكَبُّراً، (زَمَّ القَوْمَ): تَقَدَّمَهُمْ، (زَمَّ القِنِّينَةَ): مَلأَها حَتَّى فَاضَتْ، (زَمَّ الشيءَ زَمَّ زَمًّا): شدَّهُ وألزمه؛ يقول الشاعر ابن طاهر:
احفظ لسانك حفظا زمه بالزمام *** من كل قول يحرم أو فضول الكلام
ـ أزَمَ بصاحِبِه، أزَمَ بالمَكانِ: لَزِم، ـ أزَمَ الحَبْلَ وغيرَه: أَحْكَمَ فَتْلَه، ـ أزَمَ عليه: واظبَ، ـ أزَمَ بِضَيْعتِه: حافَظَ، ـ أزَمَ البابَ: أَغْلَقَه ـ أزَمَ الشيءُ: انْقَبَضَ وانْضَمَّ، كأَزِمَ؛ يقول الشاعر بلبل الغرام الحاجري:
رَثى لي عَذولي يَومَ زَمَّت مَطِيَّتي *** لِفُرقةِ أَحبابي عَشِيَّةَ وَدَّعوا
ـ (أزَمَ العامُ): اشْتَدَّ قَحْطُه، وربما تكون قد أتت منها كلمة (أزمة)
ـ و(تَزَمْزَمَتِ الإبل): هَدَرَتْ، و(الزِّمْزِمة) بالكسر: الجماعة من الناس، وقيل: هي الخمسون ونحوها من الناس والإبل، والزِّمْزيمُ الجماعة من الإبل؛ يقول الشاعر نُصيب بن رباح:
يَعُلُّ بَنِيها المَحْض من بَكَرَاتها *** ولم يُحْتَلَبْ زِمْزيمها المُتَجَرْثِمُ
ـ ويقال: ماء زَمْزَمٌ وزَمْزامٌ وزُوازِمٌ وزُوَزِمٌ: إِذا كان بين المِلْحِ والعَذْبِ، وزَمْزَمٌ وزُوَزِمٌ؛ يقول الشاعر ابن معصوم:
وَقَد ساغَ لي من ماءِ زمزمَ شَربةٌ *** نقعتُ بها بَعد الصَدى غُلَّة الصَدرِ
ويقول الشاعر أبو الحسن الششتري:
قصدي نزور الكعبه *** ونغتسل من زمزمْ
ويقول الشاعر قيس بن ذريح:
حَلَفتُ لَها بِالمَشعَرَينِ وَزَمزَمٍ *** وَذو العَرشِ فَوقَ المُقسِمينَ رَقيبُ
ـ وفي اللغة (زمزم) تُسَمَّى زَمْزماً وعَيْطلا وزُمٌّ، بالضم: موضع؛ يقول الشاعر أوْسُ بن حَجَرٍ:
كأَنَّ جيادَهُنَّ، برَعْنِ زُمٍّ *** جَرادٌ قد أَطاعَ له الوَراقُ
ـ (زمزم الشيء): حفظه، أو جمعه ورد أطراف ما انتشر منه، (زمزم): هي بئر مشهورة في حرم مكة بجوار الكعبة, وسميت بذلك لكثرة مائها؛ تقول الشاعرة علية بنت المهدي:
وفاتَ بالسَّبْقِ إلى زمزمٍ *** وكانت اللَّذّاتُ في زمزمِ
ـ ولـ(زَمْزَمَ) معانٍ أخرى؛ منها: أَحدث دَوِيًّا مُتتابعًا كالرعد؛ يقول الشاعر الطرماح:
مِنْ مَذْحِجٍ والأزْدِ، حِينَ تَجَمَّعَتْ *** لِلْحَرْبِ، زَمْزَمَة ٌ تَغِطُّ وتَهْدِرُ
ويقول الشاعر الفرزدق:
لمّا سَمِعْتُ لَهُ زَمَازِمَ أقْبَلَتْ *** نَفْسِي إليّ وَقُلْتُ أيْنَ فِرَاري
ـ كما أن (زَمْزَمَ) لها معنى: تَرَنَّمَ وَدَنْدَنَ؛ يقول الشاعر إبراهيم عبد القادر المازني:
إذا سمعت لريح الليل زمزمةً *** حسبتها نادباً ألحان سرائي
ويقول الشاعر أبو العلاء المعري متهكما:
بني الآداب! غرّتكمْ، قديماً *** زخارفُ مثلُ زمزمةِ الذُّبابِ!.
----------------
أخيرا: أوجه الشكر لحضراتكم مستعيرا قول الشاعر عمارة اليمني؛ لأنهي به مقالي هذا ـ متمنيا أن تسمح ظروفي الصحية بالعودة لاستكمال هذه السلسلة من المقالات ـ قريبا (بإذن الله):
عممتم الناس بالحسنى فشكركم *** دين على ذمة الأشعار والخطب
وزاد في خطر الآداب أنكم *** أغليتم بعد رخص قيمة الأدب.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(*) عضو النقابة العامة لاتحاد كتاب مصر