من صفحات العمرخالد سليمان الأديب موقع مجلة مليون شاعر
من صفحات العمر أيام الدراسة الرائعة حيث التفوّق الدراسي والتفوّق في كلّ شيء ، كنت طالبا استثنائيا ، كنت جناحا مهمّا في جماعة الإذاعة المدرسيّة وإلقاء الشعر ، والوعي القومي ، وأوائل الطلبة ، وكم لي فيها من ذكريات ؟! ،
قلبي الأخضر يحبو على سجادة الأيّام ، حتى التقاها وردة حسناء تمشي على قدمين ، ذات صوت إذاعي فريد ، وملامح بريئة بريئة تكسوها مسحة حزن عميقة ، لم أستطع أن أتأملها لمدة ثوان من الحياء ، ولو قابلتني في المدرسة يتلعثم فيّ كلّ شيء ، فما إن أرها حتّى تغيّر خطواتي اتجاهاتها في لحظة ، أول مشاعر في حياتي ، جمعنا التفوّق الدراسي والإذاعي وجماعة الوعي القومي ، وأوائل الطلبة ، وإلقاء الشعر ، ويبدو أنني على موعد مع الغياب والفراق - رحمها الله – لم أكن أعلم أنّ مسحة الحزن سببها أنها مريضة بالقلب ، وأنّ أيامها معدودة حتى جاء يوم 4 – 12
إلي يوم 04 – 12 يوم التقينا :*بقلم وألوان :*خالد سليمان
**************************************************
يوم جميل في حياتي تألق في عمري وتألق عمري به ،
أذكر فيه قلبا فارقني منذ سنوات
أرجو من الله أن ألقاه في الآخرة مع الطيبين والأطهار والأبرار
قلب أخضر كان أول القلوب
كان نافذتي الوحيدة على العالم الحالم
قلب رآني بغير العينين التي رآني الناس بها
قلب رأى روحي وأحبّها
قلب أحبني كما أنا
لم يختر فيّ شيئا ويهمل فيّ أشياء
قلب لفّني في رداء أخضر وحملني
وأخذ عهدا على نفسه أن يسعدني ويعيش معي
وأنا عاهدته أن نبني قصر سعادتنا معا
قلب أخضر اختصر كل القلوب واختصر كل البشر
اختصر العالم حملني على أنامله الرقيقة وطاف بي العالم
وغصت معه أعماق البحار السبعة
وسمعت منه أحلى الكلمات ،
ولا أنسى آخر الكلمات بيننا : ( سأغيب أياما ، ادع الله لي أن أعود ، لا إله إلا الله محمد رسول الله )
أحن الكلمات وأرقّها ، لم أسمعها من أحد بعده
كأنّ هذا القلب الأخضر عندما غاب أخذ الحنان معه
وأخذ الجمال معه
وأخذ تغريد البلابل معه
وأخذ الضوء معه
قلب أخضر جاء إلى الدنيا وزرع فيها وردة وغاب غاب
طوته أكفّ الموت ، وغيّبه الفراق
كأنّه لم يخلق للدنيا
زرع وردته في حياتي وراح راح
التقيته في هذا اليوم منذ سنين وسنين
التقينا على أبواب الشتاء
كانت قمرا يتدثر بالبياض
وكان اللون الأبيض يغني ابتهاجا بملامحها
كنّا على موعد قدّره الله بغير اختيار منّا وما أحلاه من لقاء !!
قلب علّمني أبجديات كثيرة ،
أبجدية الحبّ والاهتمام
أبحدية الاحتواء
أبجدية التقدير والتعبير
التقينا قلوبا بيضاء تخطو على أشواك الحياة بفرح وابتهاج
لم نكن نخشى شيئا من جرأة قلوبنا المفعمة بحبّ الحياة
جمعنا التفوّق والإذاعة المدرسية وأوائل الطلبة وجماعة الوعي القومي
جمعنا الشعر والشعراء
جمعنا التحدي والإصرار على النجاح
جمعتنا الحياة رغم أنّ هناك ألف سبب وسبب للفراق
جمّعنا الحزن ، وأعظم بقلوب جمّعها الحزن !!
حين تغيب يغيب معها كل شيء وتنطفئ الألوان
وحين تحضر يضيء في الدنيا كلّ شيء
في أيّامها الأخيرة كانت تغيب كثيرا
كأنّها تدربني على الغياب الطويل
وكنت حين ألتقيها أنسى أنّها غابت وأنسى السلام عليها
بل أنسى دفاتري وأقلامي وأتذكر من الدنيا كلها ابتسامتي
وآخر كلماتها لي قبل أن تنطفئ الحياة فيها ويشتعل الموت فيّ : ( سأغيب أياما ، ادع الله لي أن أعود ، لا إله إلا الله محمد رسول الله )
أتذكر تلك الكلمات منها وما سمعتها أبدا من أحد
ولو سمعتها لا أشمّ لها عبيرا ولا أسمع لها دقّات قلب
ومضت وطوتها الأيام ولكنّي كل يوم 4- 12
من كل عام أعيشه وحدي أعيشه مع القلب الأخضر
أشاهد قرص الشمس وحدي لأدعو الله لها أن يرحمها
ويرحم قلبي الذي سافر معها وتركني
ــــــــــــــــــــــــــــ
بعدها دخلت غرفة الاجتماعات لألملم أوراقها التي لم تلمّها
وأحمل منديلا أبيض كان يشرب من بياض يديها
حملت أقلامها ورسوما خطتها يديها
حملت ورقة كتبت عليها : ياربّ النجاح
رأيتها هنا وهنا وهنا وهنا ولكن أين أنا ؟؟
قابلت قلوبا وقلوبا ولكن أين قلبها ؟
وسمعت كلاما وكلاما ولكن أين همسها ؟ وأين صدقها ؟
قبل الغروب بساعة من كل عام في مثل هذا اليوم أحمل منديلها وكلمتها يارب النجاح
وأتأمل قرص الشمس وأفتح دفتر الشمس ؛ لأتذكر لحظاتها الأخيرة
وأراها بحجابها الأبيض مبتسمة مشرقة
وأظلّ أسافر في الزمن حتى تغرب الشمس هامسة : ( سأغيب أياما ، ادع الله لي أن أعود ، لا إله إلا الله محمد رسول الله )
وأقول : أنا هنا وحدي لكنني مطمئن عليك ،
لست قلقا إلا عليّ فأنا أبحث عنك في كلّ مكان
حتى أطلقت على نفسي لقبا فريدا مسافرا بلا عنوان
لأنّ عنوانه عيناك . خالد سليمان